تدخل مجلس الامن في عمل المحكمة الجنائية الدولية

 

عمر جلال محمد                                                                  

                                                                                                

يعتبر مجلس الأمن أهم أجهزة الأمم المتحدة الستة, فهو المسؤول عن حفظ السلام والأمن الدوليين ويمتلك سلطة قانونية على حكومات الدول الأعضاء تجعل قراراتها ملزمة لكل الدول

ويتكون مجلس الأمن من خمسة أعضاء دائميين ولهم حق النقض (الفيتو) وتعتبر الدول الخمسة (الإتحاد الروسي، الصين، فرنسا، المملكة المتحدة و الولايات المتحدة) صاحبة المقاعد الدائمة في مجلس الأمن وذلك بعد إنتصارها في الحرب العالمية الثاني

أما بالنسبة لأعضاء غير الدائميين في مجلس الأمن فهم عشرة أعضاء تنتخبهم الجمعية العامة لمجلس الأمن لفترة سنتين ويتم تبديل خمسة منهم كل سنة، وإختيار الأعضاء غير الدائميين يتم من قبل الأعضاء الخمسة الدائميين في المجلس وتوافق عليهم الجمعية العامة للأمم المتحدة   

المحكمة الجنائية الدولية

تعد المحكمة الجنائية الدولية أهم هيئة قضائية جنائية دائمة مستقلة أوجدها المجتمع الدولي، كما إنها تعتبر أول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين لجرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والعدوان, و دخلت المحكمة حيز التنفيذ بتأريخ 2002 و ذلك لغرض التحقيق و محاكمة المجرمين الدولين الذين يرتكبون الجرائم الأشد خطورة و لا تعتبر المحكمة الجنائية الدولية كياناً فوق الدول و إنما هي كيان مشابه لغيره من الكيانات القائمة والتابعة للمجتمع الدولي وتشكل إمتداداً للإختصاص الجنائي الوطني و قضاته ينتمون إلى جميع بقاع العالم وهي جهاز قضائي دولي عام ذات طابع عالمي لايتقيد بمنطقة جغرافية واحدة أو فترة زمنية محددة، وبالرغم من كل الإتفاقيات التي نصت على الإلتزام من مبادئ الإنسانية إلا إن الجريمة الدولية إنتشرت بشكل أكبر و سبب في ذلك يعود إلى وجود موانع قانونية تمنع من إجراء المتابعة و المحاكمة في حق الاشخاص و السبب في ذلك هو عدم وجود القضاء الجنائي الدولي ليقوم بمهامه و لذلك إعتبرت المحكمة الجنائية الدولية أكبر خطوة في النظام الدولي

شرعية تدخل مجلس الأمن في عمل المحكمة الجنائية الدولية

يشكل مجلس الأمن السلطة التنفيذية في المجتمع الدولي وتشكل المحكمة الجنائية الدولية السلطة القضائية ومن هنا تظهر العلاقة الوثيقة بينهما فطالما إن إختصاص المحكمة الجنائية الدولية هي إقامة العدالة وفي ذات الوقت إختصاص مجلس الأمن هو تحقيق السلم والأمن الدوليين إذاً فماهو العائق من أن تكون العدالة هي الطريق لتحقيق السلم والأمن الدوليين في ظل المحكمة الجنائية الدولية

وقد حددت هذه العلاقة بسلطتين وهما سلطة مجلس الأمن في إحالة الجرائم الى المحكمة الجنائية وسلطة مجلس الأمن في إرجاء أو إيقاف إجراءات التحقيق والمقاضاة أمام المحكمة الجنائية الدولية

1.سلطة مجلس الأمن في إحالة الجرائم الى المحكمة الجنائية الدولية

لقد نصت المادة (13) الفقرة (ب) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية

” للمحكمة أن تمارس إختصاصها فيما يتعلق بجريمة مشار اليها في المادة (5) على وفق أحكام هذا النظام الأساسي

ب- إذا أحال مجلس الأمن متصرفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة حالة الى المدعي العام يبدو فيها إن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت “

والمقصود بذلك إن أساس هذه السلطة يستند في المقام الأول على نصوص النظام الأساسي الذي نص صراحة على سلطة الإحالة وكذلك نصوص مواد ميثاق الأمم المتحدة الذي يشكل مجلس الأمن إحدى أجهزتها المنوط به حفظ السلم والأمن الدوليين(12)

والمقصود بالإحالة إخطار المحكمة الجنائية بشكوى مكتوبة على إرتكاب في منطقة معينة جريمة أو أكثر من الجرائم الدولية التي تدخل في إختصاصها وفقاً للمادة (5) من نظامها الأساسي

سلطة  مجلس الأمن في إرجاء أو إيقاف التحقيق أو المقاضاة أمام المحكمة الجنائية الدولية

المادة (16) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية

 ( لا يجوز البدء أو المضي في تحقيق أو مقاضاة بموجب هذا النظام الأساسي لمدة إثني عشر شهراً بناءاً على طلب من مجلس الأمن إلى المحكمة بهذا المعنى يتضمنه قرار يصدر من المجلس بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة و يجوز للمجلس تجديد هذا الطلب بالشروط ذاتها (9) 

والوصف الدقيق لهذه السلطة يتمثل في الإرجاء والإيقاف والفارق بينهما هو فارق زمني يتمثل في اللحظة التي يصدر فيها قرار مجلس الامن ، فإذا كان قرارمجلس الأمن سابقاً على لحظة البدء في التحقيق أو المقاضاة فإن الأمر يتعلق بالإرجاء واذا كان قرار المجلس لاحقاً على على بدء التحقيق والمقاضاة فإن الأمر يتعلق بإيقاف التحقيق والمقاضاة ، ويمارس مجلس الأمن هذه السلطة في أي مرحلة تكون عليها الدعوة أمام المحكمة أي سواء أن كانت قد بدأت المحكمة في مباشرة إختصاصها أو في المراحل الأخيرة للدعوة  ، وإن السبب الحقيقي وراء هذه السلطة هو تحقيق السلم والأمن الدوليين إذ قد تؤدي إجراءات التحقيق أو المقاضاة في دعوى تنظرها المحكمة الى تعطيل مجلس الأمن وإعاقته في إداء دوره

           وإن لهذهِ الصلاحية خطورة كبيرة في ضياع الأدلة و فقدان الشهود أو إمتناعهم عن إدلاء شهاداتهم

بالإضافة الى التخوف من سيطرة الإعتبارات السياسية على ممارسة مجلس الأمن لهذه السلطة

في نهاية هذا البحث توصلنا إلى بعض الإستنتاجات

هناك صورتان لتظيم العلاقة بين مجلس الأمن و المحكمة الجنائية الدولية و هما

أ- سلطة مجلس الأمن في إحالة الجرائم إلى المحكمة بموجب المادة (13ب ) من النظام الأساسي

ب- سلطة مجلس الأمن في طلب إرجاء أو إيقاف التحقيق و المقاضاة في القضية المنظورة أمامها بموجب المادة (16) من النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية

 إن اساس هذه العلاقة يتمثل في الغاية الأساسية من وجود القانون الدولي و القضاء الدولي و هو حماية حقوق الإنسان و تحقيق العدالة الجنائية عندما يكون هناك إرتكاب لجرائم تهدر السلم و الأمن الدوليين

 على الرغم من هذه السلطة الممنوحة لمجلس الأمن فإنها تشكل في نفس الوقت خطراً و تدخلاً في عمل المحكمة الذي يجب أن يكون مستقلاً لذلك يجب أن يكون عمل مجلس الأمن فقط لتحقيق  العدالة و السلم و الأمن الدوليين

التوصيات

 أن يقوم مجلس الامن بعمله في ظل تحقيق السلم والأمن الدوليين و خاصة في الجرائم الأشد خطورة دون الخضوع للإعتبارات السياسية و لصالح الدول الدائمة العضوية في المجلس

 أن يقوم مجلس الأمن بممارسة سلطته في الإحالة أو الإرجاء  بصورة صحيحة ووفق الشروط المطلوبة كي لاتكون ممارستها سبباُ في تسيس عمل المحكمة والتدخل في شؤونها

 بِشأن سلطة المجلس بإرجاء أو إيقاف التحقيق أو المقاضاة لمدة سنة قابلة للتجديد فإن إثنى عشر شهراً كافية لقيام مجلس الأمن بدوره و إن إحتاج التمديد فمرة واحدة كافية و لا يحتاج تأجيلها مرة أخرى

 

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *